ایکنا

IQNA

"أطروحة القرآن في الحزبية الدينية والسياسية"(اليهود أنموذجاً)

11:50 - December 13, 2023
رمز الخبر: 3493808
بيروت ـ إكنا: إن ما نحتاج إليه في صراعنا مع الصهاينة، هو أن نعلم منشأ كل تحول ديني في تاريخ البشرية، فإذا لم نعلم معنى الحزبية في الدين والسياسة والتاريخ؛ فما تكون جدوى إدارة الصراع لإحقاق الحق ودفع الباطل؟!
وسأل بعض الإخوة الإعلاميين عن مفاد قولنا "إن الإعلام المقاوم ليس مجرد وظيفة لنقل الحدث" وإنما هو فكر ورؤية عميقة في الدين والتاريخ، وقد جاء الامتعاض واضحاً في ثنايا الكلمات ومطاوي التساؤلات.

وبالتأكيد نحن لسنا بصدد إثارة الشكوك في النوايا أو في الأداء الصادق لكل من يتصدى لنقل خبر أو لتوضيح موقف، فهذا ما تعنيه هوامش الإعلام في التعبير عن الأحداث اليومية.


أما ما توجه إليه النقد في الإعلام المقاوم، فليس لأحد أن يؤطره في الهوامش أو أن يُعفيه من أن تكون له بعدية الرؤية في الدين والسياسة.
 
وقد طالعتنا البارحة إحدى شاشات التلفزة المتبرّمة بمواقفها بحوارها الإعلامي، مركزةً على معنى اليهودية في الخطاب والصراع، آخذةً على المحاور سلبية الموقف الديني اتجاه اليهود وهم أهل تجذر في الدين والسياسة والتاريخ! وكم كان بالحري أن يستمع الناس إلى محاورة الأفذاذ وهم يتبادلون جهل الحقائق في منشأ التحولات الدينية في تاريخ البشرية! ولو أنهم أعطوا مقاليد الحوار لأهل الخبرة سواء في السؤال أو في الجواب، لكان أفضل لهم وأنفع لأهل الصحافة والإعلام!

لقد جاء السؤال لماذا الموقف السلبي من اليهود وهم أهل دين وتجذر في التاريخ؟ ولماذا يراد اختزال الصراع في المقاومة بالرؤية الدينية؟

إن ما راعنا فعلًا هو هذا الالتباس في الموقف الديني لجهة انعدام التمييز بين ما هو ديني وما هو حزبي في تاريخ الصراعات الدينية، وهنا بدورنا نسأل من قال لكم أيها الناس أن اليهودية تمثل تعبيراً دينياً أو أنها تجسد نبوءة توراتية؟ وقد بينا في بحث: "اليهود والذين هادوا في القرآن" أن اليهودية هي حزب من أحزاب بني إسرائيل بدلالة أنهم لم يعرفوا باليهود في زمن نزول التوراة ولا هم موضوع خطاب إلهي في القرآن.
 
فالخطاب المباشر جاء للذين هادوا وأفرد اليهود بتوصيفات اللعن في الدين والتاريخ على نحو لا لبس فيه! فلا بأس أن تكون للمحاور ثقافة الدين والتاريخ…!؟هذا أولاً.

ثانياً: لم يتحدث أهل التأريخ عن ظهور لهذا المصطلح في زمن أنبياء الله تعالى داود وسليمان أي في القرن العاشر قبل الميلاد، وهناك مئات السنين بين بعثة النبي موسى(ع) ونزول التوراة وبين التشكلات الحزبية في بني إسرائيل، وهذا ما بيّنه القرآن الكريم في تركيزه على اللعن للذين كفروا من بني إسرائيل،كما قال تعالى: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون..".

فهل من مؤرخ أو فقيه يمكنه تبيان حقيقة الموقف بخصوص هذا الالتباس الخطير في البُعد الديني لهذا التشكل الحزبي في التاريخ الديني!؟
 
ثالثاً: إن الحزبية اليهودية في تاريخ بني إسرائيل كانت لها وظيفة تحريف التوراة واستثمار الدين في السياسة والمال لإعادة الناس إلى جاهلية ما قبل التوراة، تماماً كما فعلت الحزبية الإسلامية حينما أخرجت الناس عن كونهم أمة ليكونوا ملوكاً وطواغيت يستثمرون في الدين، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويقتلون الناس بغير حق!

إن ما نحتاج إليه في إعلامنا المقاوم، وخصوصاً في صراعنا مع الصهاينة، هو أن نعلم منشأ كل تحول ديني في تاريخ البشرية، فإذا لم نعلم معنى الحزبية في الدين والسياسة والتاريخ؛ فما تكون جدوى إدارة الصراع لإحقاق الحق ودفع الباطل!؟ففي كل ديانة وشريعة كانت تظهر حزبيات قاتلة، ونظريات ضالة، ونماذج تائهة في الدين والسياسة.
 
ولعله يوجد في تاريخنا الإسلامي من النماذج والعبر ما يكفي لتأكيد هذه الحزبية القاتلة في الدين والدنيا! فلا عجب أن يلتبس الأمر على أهل الإعلام المقاوم طالما أن أهل العلم والفقه قد اشتبه عليهم معنى أن تكون الحزبية اليهودية ملعونة في تاريخها الديني والسياسي! فهناك الكثير من العلماء لم يروا أن اللعنة متوجهة لليهود على نحو القضية الحقيقية، بل هي أمر خارجي لا تقدير له في الذهن،كما هو شأن الأحكام الشرعية التي ترجع بروحها إلى قضايا شرطية،وهذا أمر توقف عنده أهل المنطق وفقهاء الأصول ملياً،وكانت لبعضهم خرافة القول باللعن بلحاظ الواقع في الزمان والمكان المحددين!

فإذا كان الأمر مثار اختلاف بين أهل العلم، فكيف لا تكون وظيفة الإعلام التحري في أجواء ترسيخ المعنى الثقافي لما لذلك من أثر في توجيه الرؤية المقاومة على نحو يؤكد حقيقة الموقف في صراعنا الوجودي مع الحزبية اليهودية بكل تشكلاتها الدينية في أوطاننا العربية والإسلامية!؟
 
إن ما نحتاج إليه هو مزيد من الوعي الديني والتاريخي لكي نحسن التعامل مع الواقع بكل تحولاته الملتبسة في الدين والسياسة، وهذا ما عبرنا عنه في مقالتنا عن الإعلام المقاوم،ورأينا فيها أن اليهودية ليست ذات منشأ توراتي، وإنما هي تشكل حزبي يعتمد على العصبية والعنصرية في تسويغ ذاته، وقد حفل تاريخ البشرية بنماذج من هذه الحزبية المغلقة كان آخرها ما تم زرعه في فلسطين لتفتيت المنطقة وتشويه الدين بمسميات شتى من الأحزاب والتنظيمات الدينية لإثارة الفتن وتظهير البدع!

وختام القول:إن الحزبية اليهودية لا توجب علينا ديناً ولا شرعةً،ولا احتراماً في الدين والسياسة،وعلى وسائل إعلامنا المقاوم تحري الدقة في استخدام المفردات،وإدارة الحوارات في زمن نحن بأمس الحاجة فيه لنكون على قدر المسؤولية في التعامل مع الأحزاب والوقائع والأحداث.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الشؤون القرآنية والاجتماعية "فرح موسى"
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

twitter

captcha