ایکنا

IQNA

مفارقات في الأيديولوجيا وسياسة المحاور من منظور قرآني

11:48 - December 31, 2023
رمز الخبر: 3494010
بيروت ـ إكنا: يجمع أهل العلم وكل من يعمل في الحقل الديني على أن الإسلام كدين وشريعة في إطاره النظري هو أمر واحد لا يتعدد، ولكنه يختلف في واقعه العملي وتطبيقاته الاجتماعية والسياسية.
مفارقات في الأيديولوجيا وسياسة المحاور من منظور قرآنيويجمع أهل العلم وكل من يعمل في الحقل الديني على أن الإسلام كدين وشريعة في إطاره النظري هو أمر واحد لا يتعدد، ولكنه يختلف في واقعه العملي وتطبيقاته الاجتماعية والسياسية بحسب ما تكون عليه حالة الأمة من ظروف وتحولات في وعي الدين وتلقي الإرشادات الولائية في الزمان والمكان والحياة، وذلك مؤسس على قاعدة أن الدين لا يخلو من نظرية في الدولة وإقامة السلطة وتدبير شؤون الناس في ضوء أوامر ونواهٍ إلهية.


وهذا ما تؤكد عليه الشريعة الإسلامية في ما جاءت به من تكاليف لتحصين وحدة الأمة من حيث هي أمة مؤمنة وملتزمة بما جاء به الأنبياء من تعاليم وشرائع لتغيير المجتمعات وإدارة شؤونها الدينية والسياسية، ولعله من المفارقات العجيبة في تاريخ الأمم المؤمنة أنها لم تختلف في تطبيقات الدين وحسب، بل اختلفت في النظرية.

وصدرت عن رؤية مختلفة في الدين والعمل به، فظهرت الفرق المذهبية والأحزاب الدينية حتى تحول الدين الواحد إلى أديان، والشريعة إلى شرائع لتكون النتيجة في واقع الحال مزيداً من التفرق في الدين بخلاف ما أمر به الله تعالى به في قوله تعالى:"أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه…".
 
وهكذا، فإن ما يمكن التأسيس عليه لكشف الملابسات، وتظهير المفارقات في التطبيقات العملية لأهل الإيمان، وخصوصاً في الأعمال السياسية والجهادية، هو التعرف على حقيقة ما يقدّمه القرآن من دروس عملية في ما عرض له من تجارب نبوية في إدارة الصراعات المجتمعية والحضارية.

فهذه التجارب لم تأتِ من خارج النظرية الدينية، وإنما جاءت تعبيراً عنها.وهنا يأتي السؤال عن حقيقة المفارقات في الإيديولوجية وسياسة المحاور،فيقال لماذا هذا التمايز في الوعي الديني الذي وصل بأهله إلى حد التناقض بين الإيمان والعمل؟ وهل يمكن للملتزمين بأطروحة الإسلام أن يبيّنوا لنا معنى أن يجعلوا من دينهم فرقاً وأحزاباً ومذاهب في تطبيقاتهم العملية للدين؟ أسئلة كثيرة تطرح في واقع التمايز الديني على مستوى النظرية والتطبيق معاً.
 
فالمسلمون في تاريخهم لم يصدروا عن دين واحد في الوعي والسلوك، بل كانت لهم المجاهيل في الفكر والثقافة والجهاد! وأحدثوا لأنفسهم فرقًا دينية! وهم في كل ما أخذوا به من تعاليم ودروس نبوية كانوا يأخذون بما كانت تمليه السلاطين وأئمة الجور في العلم والجهاد حتى ظهرت هذه التمايزات والتناقضات بين فرقهم وأحزابهم،وليس لأحد من الباحثين أن يدّعي بخلاف ذلك،لأن واقعنا العملي يشهد به ويؤكد عليه،وهل كانت فلسفة حكم الفراعنة تقوم على غير ذلك؟

فالقرآن يظهّر لنا هذه الحقيقة بقوله تعالى:"إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعًا…"،وقد تبيّن لنا من تجارب المسلمين كيف تحولت الفرق إلى فراعنة في الدين والدنيا،فظهرت سياسات المحاور ومفارقات الإيديولوجيا دون أن يكون للدين في حقيقته وجوهره أي حضور عملي،ولا زلنا نتعايش مع هذه الفرق في ما أنتجته من تحولات دينية ومعرفية، بدليل ما نتعايش معه اليوم من مفارقات فنجد التحاور في مكان والحرب والجهاد في مكان آخر،وكأن قضايا الحرب والجهاد تتمايز في الرؤية الدينية!؟ فإما أن يكون المسلمون اليوم واعون بقضايا دينهم وما ينبغي أن يصدروا عنه في الدين والسياسة، وإما أن يضطربوا في واقع تحولاتهم الدينية،فلا يكون لهم الموقف المّو حد اتجاه قضاياهم وخصوصاً قضية مجاهدة الأعداء.
 
وهنا يمكن للباحث أن يسأل عن كيفية إدارة الصراع مع العدو الصهيوني في ظل مفارقة تناقض هائلة بين أن يكون الوعي الإيديولوجي في تركيا وقطر أو في السعودية ومصر، والعمل الجهادي في إيران والعراق ولبنان وسائر محاور المقاومة؟وهذا ما يستدعي توقفًا كبيراً عند مؤديات هذا الوعي في ظل جرائم فلسطين التي يقوم بها أعداء الدين والدنيا!كما أن هذه المفارقة تستوجب العودة إلى نظرية الدين الحقيقية بكل دروسها العملية في تجربة النبي(ص) الذي أوضح للأمة معنى أن تكون الأمة واحدة في وعيها الإيديولوجي رغم تمايزها في تطبيقاتها العملية،بحيث يعي المسلم المجاهد أن الإسلام في تأسيساته النظرية هو ما ينبغي أن يكون حاكماً على مسارات التحول الديني والسياسي،وليس المذهبيات والفرق والأحزاب التي لم يصدر عنها غير الفرعونيات والجاهليات في تاريخنا الإسلامي،والتي كان آخرها مشهدية الصخب الصهيوني في محافلنا العربية والإسلامية!

 مقاتلة العدو اليوم تحتاج في الجوهر إلى نقلة حقيقية في الوعي الإيديولوجي
 
إن مقاتلة العدو اليوم تحتاج في الجوهر إلى نقلة حقيقية في الوعي الإيديولوجي لأمم العرب والمسلمين ليكونوا أمة واحدة في الأطروحة النظرية مع كل ما تفترضه هذه الأطروحة من تمايز في الموقف والرؤية،بحيث لا يتحول الأمر الديني والسياسي إلى تناقض في الواقع العملي لما يمكن أن يحدثه ذلك من خلل في إدارة الصراع،وهذا،كما نعلم يتطلب وعياً عميقاً بتحولات الموقف الديني الذي عبر عنه الأنبياء في صراعهم مع الطواغيت،وقد بيّن لنا القرآن الكريم الكثير من مؤديات هذا الصراع رغم اختلاف نماذجه وتطبيقاته في عصر الرسول ص في كل ما قام به من غزوات ضد المعتدين.
 
فأهل الجهاد اليوم سواء في فلسطين أو في غير فلسطين، هم يحتاجون إلى المزيد من تقدير المواقف لتكون لهم مكنة أن لا ينخدعوا بتناقضات الإيديولجية في الانتماء إلى سياسات المحاور، وقد بين أهل العلم قديماً وحديثاً، أن الانتصارات الميدانية،سواء كانت جهادية أو غير جهادية،ليست دليلاً على صحة الموقف الديني،فقد ينتصر المؤمن، وقد ينتصر الكافر،فالكل إنما يكون له ذلك بما يتوفر له من أسباب القوة.

أما الفوز بالجهاد وحق اليقين  في الدين والدنيا، فإن طريقه كان وسيبقى في صحة الإيديولوجيا التي ينتمي إليها الإنسان ويصدر عنها، فصحة الجهاد من عدمها إنما تستبين بعد العرض على القرآن الكريم والسلام.
 
بقلم الأكاديمي والباحث اللبناني في الشؤون القرآنية "د. فرح موسى"

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

captcha